أقل ما يمكن أن يوصف به ناظر القبيلة- أي قبيلة سودانية شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً بمختلف مسميات رأس القبيلة وبداخل هذا الجو المفعم بالقيم السودانية النبيلة ولد الناظر مختار بابو نمر في العام 1945م ليجد أباه الناظر بابو نمر بصيته المعروف وشهرته التي طبقت الآفاق وحكمته في إدارة القبيلة والاحترام المتبادل بينه والقبائل الأخرى وصداقته مع السلطان دينق مجوك والثقة التي يوليها له نظار قبيلة الحمر حيث يوصون منسوبيهم بانهم عندما يتجهون جنوباً فناظرهم هو ناظر المسيرية..
درس الناظر مختار مراحله الأولية بمسقط رأسه المجلد وبما أن والده كان يناديه بـ(الفكي) تيمناً بجده لأمه حافظ القرآن فقد بعثه ليدرس بالمعهد العلمي بمدينة النهود ولكنه ما لبث أن استدعاه مرة أخرى ليبقى إلى جواره كأنما كان يعده ليوم ما وربما لما إلتمس فيه من هدوء وطول بال بالرغم من أن نظارة المسيرية لا تورث مباشرة فعند وفاة الناظر تقوم الأسرة باختيار وريثه الذي يجب أن توافق عليه القبيلة باجماعها وإلا فعلى القبيلة أن تختار ناظراً من أسرة أخرى وهكذا لازم الفتى مختار والده حتى توفاه الله في العام 1982م وقد بلغ هو مبلغ التكليف أو عمر النبوة ولكن حسب قانون القبيلة الديمقراطي ذهبت النظارة إلى عمه علي نمر بحكم موقعه كوكيل للناظر الراحل وناظراً للعجايرة.
توسط الناظر مختار لاشقائه بحسبان أنه الثالث من الذكور ربما منحه رعاية من هم أكبر منه سناً وبالتالي ظل لصيقاً بوالده فتشرب منه الحلم والأناة والتعرف عن قرب بالعادات والتقاليد والأعراف وحتى أذكار الصباح والمساء التي كان والده يحافظ عليها وهذه بالذات أثرت على توجهه الديني فنشأ ورعاً تقياً ملماً بتراث أجداده يقول عنه أخاه الأستاذ الصادق بابو نمر أن مختار يتميز بالحلم والصبر والكرم فهو رجل مضياف بابه فاتح وقلبه فاتح وعقله فاتح يعرف عن كل أفراد القبيلة ما لا يعرفه أحد وغيور على قبيلته حداً جعل مثله الذي يلتزم به (أتعس بدوك ما تخليه مع عدوك) وبدوك تعني الرجل البدوي.
يواصل الأستاذ الصادق حديثه عن شقيقه الناظر ويقول: تعليمه الأكاديمي والديني أكسبه طول البال (البسل الروح) لذلك فما أسهل ما يمتص غضب الآخرين وحبه للشعر والأدب أكسبه رصانة الخطاب حتى لو كان ارتجالاً بجانب الذكاء والحصافة في اختيار الكلمات المناسبة لوقتها.
يعرج الأستاذ الصادق إلى طبيعة الإدارة الأهلية التي حاولت مايو أن تقضي عليها.. ولكنه يؤكد أن القبائل السودانية بطبيعتها تملك المقدرة والقانون الذي يحكمها ويحكم علاقاتها مع بعضها. في إرث استمر منذ قرون لذلك حافظت على كيانها وبالتالي تحكمها في أفرادها و اختيار قادتها..
الكاريزما التي يملكها الناظر مختار مكنته من احتلال مكانة رفيعة في قلوب أبناء قبيلته والقبائل التي تحاددها وهذا يقودنا إلى مشكلتين جابهتا المسيرية في الأونة الأخيرة خاضت غمارها بقيادة ربانها مختار الأولى الاحتكاك مع جيرانها وأبناء عمومتها الرزيقات فقبل أن تهدأ النفوس زار المجلد وفد من الرزيقات فتحفز لواء من أبناء المسيرية يتبع للحركة الشعبية ليمنع الوفد الزائر من دخول المجلد وكادت أن تحدث كارثة لولا أن تصدى الناظر مختار لابنائه واستطاع بحنكته أن يمتص غضبهم وتمت الزيارة بسلام بل وحتى الناظر مختار يعتبر أن هذا الموقف من أكثر المواقف التي مرت به صعوبة.
وعقب صدور قرار محكمة لاهاي استطاع الناظر أن يكبح جماح منسوبيه والانصياع لقرار المحكمة مراعاة لمصلحة الوطن ودرءاً للفتن وقطعاً للطريق أمام كل من يتربص بالوطن.
حكى أنه كان ماراً بالسوق.. فاتجه نحو ثور هائج فتصايح الناس ينبهونه أن يحيد عن طريق الثور ولكنه لم يلتفت حتى وصل إليه الثور و(نطحه) بقوة فسقط.. ثم نهض وسوى من جلبابه واعتمر عمامته التي أطاحت بها السقطة ثم واصل المسير.. وعندما لحق به البعض وجدوه مغمي عليه بمنزله.. وبالمستشفى اتضح أنه قد أصيب بكسر في ثلاثة من اضلعه وعندما سئل لماذا لم يتفادى الثور؟.. أجابهم (اجري من تور... وأنا ناظر قبيلة؟!).
الفريق أول مهدي بابو نمر يقول عن أخيه الناظر مختار رغم أنه أصغر مني سناً إلا أنني اعتبره من أحكم حكماء القبيلة بالتصاقه بالوالد عليه الرحمة..فالوالد كان ذا ملح وطرائف يغلف بها الحكم ويروى أن أحد بسطاء المسيرية سأل الناظر بابو نمر عن أمريكا مع بداية ظهورها بعد الحرب العالمية الثانية ،فاخبره بابو قائلاً:اميركا في الدول كالمسيرية في القبائل ففهم الرجل وقال: كان كدي امريكا ما ساهلة.. والناظر مختار بذكائه ولماحته أخذ هذه الصفة الجميلة بالاضافة إلى كونه ذي كاريزما عالية.. وقائد فذ محترم وصبور (حلال شبك) لا يستجيب للاستفزاز متفقه في أمور الدين خاصة فيما يتعلق بالمواريث والأحكام الشرعية الأخرى وبذلك تجده مرجعاً في هذه الأمور بالاضافة إلى عرف القبيلة.. ويضيف الفريق مهدي معدداً صفات ناظر المسيرية بأنه كريم ومضياف لم يره يوماً غاضباً أو مغاضباً.. ويواصل الفريق مهدي باختصار أنا أراه صورة مصغرة من الراحل الناظر بابو نمر رعيم قبيلة بكل ما تعنيه الكلمة بل إذا عادت الإدارة الأهلية سيرتها الأولى لكان ناظراً لعموم المسيرية.. فكثيراً ما يلجأ إليه الناس في أحلك الظروف وأصعب المواقف لأنه رجل موضوعي ذو رأي سديد. لا يتأثر بالمتغيرات يطرح نفسه كرجل قومي لا ينحاز إلى جهة دون غيرها مما اكسبه حب الجميع..
* طبيعة أرض المسيرية الخصبة سطحها وجوفها نجوعها وسهولها.. ثراء المنطقة من حيث الموارد أنبتت هذا الفارس الذي أجمع كل المتحدثين عنه على صفات الصبر والشجاعة والحنكة والحكمة وعدم التسرع أو الاستجابة للاستفزاز.. إنه الناظر مختار بابو نمر ربان قبيلة المسيرية وشيال تقيلة المنطقة والوطن.. وهذه الصفات ليست غريبة عليه بل تنسحب على العديد من نظار ومشايخ هذا الوطن الأبي.
يقول الأستاذ صديق سرير البخيت أن شخصية الناظر مختار مستمدة من إرث قديم من الاحترام الذي توليه القبيلة لآل على الجلة ومكانتهم المرموقة فالناظر الراحل بابو نمر كان (سير) نظار المسيرية وكان النحاس يرن منغماً (السير بابو كان ترضو كان تابو) كناية على اجماع القبيلة عليه واقراراً بزعامته ويمضي صديق سرير إلى أن الناظر مختار يمتاز بالتواضع الجم وطول البال وامكانيات قيادية فذة أهلته لأن يدير كل الأزمات التي تمر بها المنطقة دون أن يرف له جفن.
أما الاحترام المتبادل بين الناظر وقادة العمل التنفيذي الذين يمرون على المنطقة جعلت منه مرجعاً في فنون وعلوم الإدارة لذلك كثيراً ما يلجأ إليه التنفيذيون في كل حادثة للاستفادة من تجاربه الثرة المستقاة من إرث ضارب في القدم.
عمدة قبيلة الزيود يوسف يعقوب قال عن الناظر مختار بطبيعته الفريدة وحكمته وخلقه القويم وفهمه الواسع لا يستعجل الأمور فمهما كانت الصعوبات يواجهها هادئاً كديدن والده الناظر بابو الذي هاجمه أحد الطلاب في مؤتمر باللاماب في العام 1969م فصبر حتى تم الطالب حديثه ثم قال ده منو من عيال أخواني البتكلم؟.. فلما عرفوه به قال له (يا ولدي أبهاتك زمان كان بيسموني "أبو درداع") أي صاحب الحكمة وحلاّل المشاكل ويواصل الناظر بابو.. (لكن يوم واحد أنا ما اتسجنت) كناية عن عدم استجابته للاستفزاز.. لذلك فمختار رغم إدارته لهذه القبيلة صعبة المراس إلا أنه قد نجح في اكتساب احترامهم وحبهم بالجلوس معهم والتفاكر في الكبيرة والصغيرة في نهج ديمقراطي فريد مع شجاعة في الرأي متى ما اقتنع بصحته يتعامل مع أفراده كأب لهم يعاملهم بلطف وحب ولا يفضل أحداً على الآخر فيشعرون أمامه بالمساواة ويرتضون حكمه العادل.
تعليقات